"بدأت الامتحانات" مقالة عن الامتحانات


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته اعضاء وزوار مدونة محمد عماد في هذه المقالة اقدم لكم لمحة عن الامتحانات وبسبب بدأ الامتحانات احببت ان اقدم لكم هذه المقالة هذه الأيام أيام الاختبارات التي تشغل كل الناس، حتى من ليس عنده إختبار ينشغل بها، وإن لم ينشغل بها هو شخصياً ؛ فإنه يضطر إلى أن يتعامل في أيام الاختبارات بتعاملات وأوقات وبطريقة مختلفة عن ما تعوّد عليه، والله سبحانه وتعالى يقول : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } .
فالحياة كلها، اختبار .. الحياة منذ أن يتنفس الإنسان أول نفس فيها، وحتى يلفظ آخر نفس كتب له في هذه الدنيا، هي إختبار، فإذا كانت الحياة كلها إختبار، فينبغي أن نعرف هذا الاختبار ، وأن نعرف صلته أو علاقته بهذه الاختبارات الدنيوية الكثيرة وأكثرها تكراراً وأهمية عند الناس اختبارات الطلاب والطالبات، ينشغل بها الطلاب والطالبات، ينشغل بها الآباء والأمهات، وتزدحم بسببها الطرقات ، وتتغير من أجلها العادات، وتختلف فيها كثير من الأحوال ..
وحتى نستفيد في الوقت المتاح نحب أن نجعل الحديث منصباً على نوعي الاختبارات في الدنيا والآخرة معاً، حتى نرى كيف اعتنى الناس وانشغلوا وفكروا وخططوا واجتهدوا في اختبارات من اختبارات الدنيا العارضة، وكيف غفلوا وقصروا وتكاسلوا وانشغلوا عن الاختبار الأهم والأعظم إختبار حياة الدنيا الذي سؤاله وجوابه يوم القيامة .


أولاً : التنافس

طبيعة هذه الاختبارات هي أول أمر نعرض له، معلوم عند الطلاب أن الاختبارات فيها طابع التنافس والحماس ؛ لأجل أن يتفوق الواحد على بقية زملاءه أو أن يحصل على درجة أعلى، أو أن يحظى بتقدير أرفع ، وبالجملة فإننا نرى الناس في اختبارات الدنيا يتنافسون تنافساً شديداً ، سواء في هذه الاختبارات أو في اختبارات الوظائف .. إذا كان هناك وظيفة يتقدم لها جمع من الناس يتنافسون تنافساًَ شديداً في التحضير لها والإعداد لاختبارها ، حتى ولو كان الأمر ان يحسن من هيئته، أو أن يعد من يتوسط له، ويعد كل الأمور ويأخذ بكل الأسباب في سبيل التنافس، والله سبحانه وتعالى جعل التنافس الحقيقي في ميدان الآخرة، فقال جل وعلا : { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } .
وأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - تربوا في مدرسة النبوة فعلّمونا بأفعالهم فيما يكون التنافس وفي أي شيء يكون التسابق، لأن الله - سبحانه وتعالى - دعاهم فقال : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } .
الأمر لا يحتاج إلى تباطؤ ولا يحتاج إلى إيثار، الأمر يحتاج إلى المسابقة إلى الخيرات فقط، قال الله عز وجل : { فاستبقوا الخيرات } ، وكما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم : ( بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً او غنى مطغياً أو هرماً مفنداً أو مرضاً مقعداً، او الدجال فشر عائد ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) ، والله - سبحانه وتعالى - يقول مبيناً أمر الساعة : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } .
ولو نظرنا في الأمثلة الواقعية المتمثلة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في تنافسهم، لرأينا صوراً مثالية .


ثانياً : المنهج المحدَّد والواضح

المناهج في الاختبارات واضحة ومحددة المعالم،لا نجد في اختبارات الطلاب يقال له عندك مادة الجغرافيا تختبر فيها هكذا، فلا يوجد عنده منهج محدد وواضح، لا بد أن يكون هناك تحديد وتعيين، بأن يكون عنده نصف الكتاب أو ربع الكتاب محدَّد، فهذا الوضوح هو الذي يعين على تجاوز الاختبار وإلا لو ترك الاختبار هكذا، بعض المدرسين يجري اختبارات مفاجئة، أو يسألهم في أمر لم يتهيؤا له، أما هنا فالاختبارات في غالبها واضحة ومحددة المنهج، وهذا الذي يجعل الطالب يجيب ويحسن الإجابة .
والله جعل اختبار الآخرة واضح ومحدد، ما ترك هكذا مجهولاً، الله - سبحانه وتعالى - بيّن الإيمان وبين العبادة وبين الأخلاق وبين كل ذلك، وقال الله سبحانه وتعالى في أخبار الكفار يوم القيامة { سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ } ، حدد الله سبحانه وتعالى لهم المنهج من عنده عن طريق الرسل، وحدد لهم طبيعة الاختبار وطريقة الاختبار ولكن يغفل الناس عن ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك : ( تركتكم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) .
المنهج واضح، كما إن اختبارات الدنيا المنهج فيها واضح والمطلوب فيها محدد، كذلك أمر الآخرة، جاء الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأل عن الإيمان ثم يسأل بعد ذلك عن ما أمر به في هذا الدين من الصلوات الخمس في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان وحج البيت وإيتاء الزكاة، ثم قال الأعرابي هل علي شيء بعدها، فخرج وولَّى وهو يقول : والله لا أزيد عليها ولا أنقص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفلح إن صدق ) .
هذا المنهج محدد مطلوب منك الإيمان بالله وبقية أركان الإيمان وفرائض محدودة ليس فيها مشقة ولا عسر، وهكذا أيضاً طبيعة الاختبار واضح ومحدد المنهج .

ثالثاً : الجد والاجتهاد


التي هي اختبارات الطلاب أنها تحتاج إلى جد ونشاط، لا نرى أحداً في وقت الاختبارات ينام ويفرط ويهمل، بل يستعد ويجِدّ ويشمر ، ولا يترك فرصة تضيع، فلذلك إن سئل عن هذا قال أن الأمر جد، والوقت قد ضاع، وأحتاج إلى أن أصل شاطئ الأمان وبر النجاة، وهو تجاوز الاختبار وحصول النجاح، فإذاً لما أراد الهدف والغاية، أخذ لها طريقها وهو الجد والإجتهاد، أما إذا لم يأخذ الطريق ؛ فإنه لا يحصل النتيجة وإنه يكون عند الناس أحمقاً ومفرطاً ومقصراً ..
تبغي النجاة ولم تسلك مسالكها **** إن السفينة لا تمشي على اليبس

ولذلك بيّن الله - سبحانه وتعالى - أن ا لأمر بالنسبة للآخرة لا ينال إلا بالجد، أما المنافقون الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً } ، هذا الكسول المتثاقل لا ينجح النجاح المطلوب . 
وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض } ، هذا الذي لا يأخذ بالجد والمعالي من الأمور لا يستطيع أن يكون ناجحاً موفَّقاً ؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصف أهل الجد بقوله : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون } ، يجدُّون حتى يحصِّلون النجاح ويسعون إلى الوصول إلى بر الأمان، أما بعض الناس إذا قيل له في الجد من أمر الدنيا، هو يجد في أمر الدنيا لا يحتاج أن توصي الناس بالجد في أمر الدنيا، الطلاب في غالب الأمر لا يحتاجون أن يوصيهم أحد بالجد، كلٌ يجد بقدر طاقته أقصى حد يجد به، ولكن إذا جئت إلى البعض وقلت لهم : جد في أمر الدين خذه بالعزيمة، وخذ فيه بمعالي الأمور قال : إن الدين يسر وتلا عليك قول الله جل وعلا : { إن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } 
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ) .
وأتاك بآيات وأحاديث ووضعها في غير موضعها، وهو مفرط في حق الله سبحانه وتعالى، وهو مقصر عن التشمير للجد، كما ذكر وبين أبي بن كعب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما قال له وسأله عن التقوى، قال : أرأيت أنك إذا كنت تسير على طريق مليء بالشوك ما كنت تصنع يا أمير المؤمنين؟! قال : أشمر وأجتهد، قال : فذاك، أي فتلك التقوى.
من أراد أن ينجح في إختبار الآخرة فلا بد أن يحقق ما يحقق في أمر الدنيا من الجد والإجتهاد وبذل النشاط إلى أقصى غاية، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه العظيم الذي لا يبلغ له شأو ولا يصل أحد إلى تلك المرتبة من أنه كان يقوم حتى تتفطر قدماه، فيقال له : لما تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! فيقول : ( أفلا أكون عبداً شكوراً )
أو كما ورد في هذا الحديث، الجد كما تجد في أمر الدنيا، لا بد من الجد في أمر الآخرة .

رابعاً : الخوف وقلة الاطمئنان 


أيضاً من طبيعة الاختبارات وأيامها وأوقاتها، أنها أيام خوف وفزع واضطراب، تجد الطالب في هلع في قلق إذا نام فهو خفيف النوم، وإذا أكل فهو سريع الطعام، ولا يطمئن له جنب، ولا تغمض له عين، ولا يسكن له قلب، لماذا لأن عنده ما يشغله ما يعلق قلبه، ولماذا ينشغل عقله ويتعلق قلبه لأنه مرتبط بأمر يرى له فيها مصلحة، ويرى له من وراءه خيراً .
فكيف وأنت تفكر في أمر الآخرة وإختبار الآخرة، إن تفكرت ينبغي أن تكون على خوف وعلى إضطراب فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين هذا النهج القويم بياناً إنخلعت له قلوب الصحابة وذرفت له عيونهم ووجفت واقشعرت منه جلودهم وكانوا منه على خوف عظيم : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً، ولخرجت إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) .
تخويفاً من عدم الاطمئنان إلى نتيجة الاختبار، ما الذي يخوف الطالب هو يستعد ويأخذ لكنه لا يطمأن ولا يركن، وكذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه، قال : ( كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم قرنه واحنى جبته ينتظر الأمر بالنفخ في الصور ) .
هذه معالم ليس المقصود منها مبالغة في اللفظ وإنما قصد بها غزواً للقلوب، حتى يرسخ فيها الخوف من عذاب الله، وحتى يرسخ فيها الخوف الذي يؤدي إلى طلب رحمة الله - سبحانه وتعالى - بالعمل الصالح، والتقرب إلى الله جل وعلا، فحينما يكون الإنسان على هذا لخوف والاضطراب من أمر الدنيا واختبارها، وهو أمر ميسور وعاقبته لو تردَّت لم تكن شيئاً، فينبغي أن نكون على هذا النهج ؛ فإن عائشة رضي الله عنه في حديثها الصحيح ترسم أيضاً منهجاً مخيفاً مرعباً ينبغي أن يتفطن له قلب المؤمن، لما سمعت قول الله سبحانه وتعالى : { الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } ، معنى الآية الظاهر أناس يعملون أعمالاً طيبة ومع ذلك قلوبهم وجلة، وعِلَّة وجل القلوب أنهم يوقنون أنهم يرجعون إلى ربهم، فقالت عائشة : يا رسول الله هو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر ثم يخاف ـ يعني يعمل السيئات ويخاف لأنه عمل أموراً منكرة يستجوب عليها العقوبة والعذاب - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يا ابنة الصديق ! ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخشى أن لا يقبل منه .
هكذا رسم الرسول المنهج أنت تعمل وأنت على خوف ألا يقبل منك، الحسن البصري رحمه الله يخط في مقالة منهجاً عظيماً عجيباً فيقول رحمة الله عليه : " لقد لقيت أقواماً هم أخوف على حسناتهم ألا تقبل منهم، أكثر خوفاً منكم من سيئاتكم أن تحاسبوا عليها " .
يقول كنتم تعملون سيئات وخوفكم قليل، وأولئك يعملون الصالحات وخوفهم عظيم ألا تقبل منهم .
وكان الحسن رحمه الله يبكي فيقال له لم تبكي قال : " أخشى أن يطِّلع عليَّ وأنا في بعض ذنبي، وقد عملت ذنباً فيقول يا حسن اعمل فلا أقبل منك أبداً " .
من كان يخاف ويضطرب ويقلق ويزعج ولا يطمئن له جنب، ولا تغمض له عين، كل ذلك تخوف من هذا الاختبار الدنيوي، فالأولى أن يعرف طبيعة الآخرة ان يتدبر وأن يتأمل وأن يكون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخرج في ظلمة الليل ينسل من بيت عائشة - رضي الله عنها - يفتقده أصحابه فإذا هو يخرج إلى البقيع يتفقد الموتى ويدعو كالمودع من الأحياء للأموات .
هذه أمور في طبيعة الاختبارات تربطنا باختبارات الآخرة .




0 التعليقات :

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).